افتتاحية مقالات سبتمبر الخالد..قوة الوعي تهزم شبهات الكهنوت الإمامية 

افتتاحية مقالات سبتمبر الخالد..قوة الوعي تهزم شبهات الكهنوت الإمامية 

د. لمياء الكندي:

في خضم الواقع اليمني المثقل بالحروب والانقسامات، يظل الحديث عن سطوة الإمامة قديمها وجديدها حاضرًا بوصفه مشروعًا يحاول أن يفرض نفسه على الشعب اليمني كقدر محتوم. غير أنّ التاريخ اليمني الطويل يكشف لنا أن هذا المشروع لم يكن يومًا سوى وهمٍ عابر، وأن قوة الوعي الشعبي المتجذرة في ذاكرة اليمنيين وثقافتهم الجمعية، كانت السلاح الأبرز في مواجهة أباطيل العصابة الإمامية ومحاولاتها الدؤوبة لطمس إرادة الناس وصوتهم.

إنَّ الحديث عن سطوة الإمامة وانتصارها على الشعب، هو حديث بائس يسعى الإماميون القدامى والجدد إلى ترسيخه في أذهان اليمنيين عبر العصور. فبعد مشاهد الواقع الحربي الذي يفرضه هؤلاء على اليمنيين، والذي يتمكنون على إثره من بسط نفوذهم وسلطتهم، تجدهم يتمادون في فرض واقع قمعي جديد، يُعَدُّ من أهم تجليات ومآثر الحكم لدى جماعتهم العصبية.

مقالات ذات صلة

ليجد اليمنيون أنفسهم مخيَّرين بين واقع حربي وقتالي دائم، يتمادى الإماميون في تصدير أبشع جرائمهم عبره، أو يجدون أنفسهم رهائن جماعية تتشكّل في القرى والمدن وسائر الحواضر اليمنية، حيث ترزح هذه المجاميع تحت قبضتهم الأمنية الطاغية، وتخضع لسلطة الأمر الواقع، بكل ما تفرضه أدواتهم وأساليبهم التي تنتمي إلى الواقع الحربي ذاته، الذي يسعون إلى أن يكون الحاضر الدائم في حياة اليمنيين.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كان اليمنيون ولا يزالون يرفضون كافة أشكال التسلط الإمامي، بكل ما تيسّر لهم من إمكانات المقاومة، التي لم تخفت عبر مراحل تاريخهم، لتتشكل هذه المقاومة في صورة واقع حربي رافض على الإطلاق للوصاية الإمامية على اليمن أرضًا وإنسانًا. ولنا في تاريخ الانتفاضات والحروب اليمنية ضد الدولة الإمامية منذ نشوئها وحتى اليوم خيرُ دليل؛ فلم تقف جميع تلك الدول والممالك موقف المتفرّج والمستسلم لمخططات الإمامة، فمن الرسوليين إلى الطاهريين إلى الصليحيين إلى غيرهم من رجال وتبابعة اليمن، وقبائلها، العديد من المواقف والحروب المشرفة، التي وإن انتهت بانكسار مؤقت أمام الجحافل الإمامية الغازية، إلا أنها كانت ولا تزال تعبّر عن نفسها كأحد أهم أشكال الرفض اليمني لهذا الحكم والمقاومة له.

ناهيك عن حركات الإصلاح الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية والأدبية، التي حاولت جاهدة الوقوف في وجه السلطة الإمامية البائدة والحاضرة حتى اليوم.

لقد تشكّل الوعي الجمعي لليمنيين عبر العصور ليكوّن بؤرة مقاومة استنزفت طاقات وأفكار وسياسات وجهود الإمامة. وقد أثمر ذلك الوعي في سلسلة من الثورات والانقلابات وحركات التمرد والانتفاضات، التي تكللت بأهم إنجاز وانتصار ثوري وفكري وحقوقي، حققه اليمنيون بامتياز عبر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة.

وبحكم الردّة الجمهورية التي فرضتها القوى الإمامية الناعمة على اليمنيين طيلة العهد الجمهوري، والتي انتهت بسيطرة الحوثيين على مؤسسات الحكم في صنعاء، وجد اليمنيون أنفسهم أمام اختبار جديد لوعيهم الجمعي، وهو وعي لم تنطفئ جذوته، بل لا يزال يعبّر عن نفسه اليوم من خلال رفض واسع لواقع الوصاية الحوثية، على الرغم من كل أشكال القمع والإرهاب الفكري والسياسي والاجتماعي الذي تمارسه هذه العصابة.

إن قوة الوعي اليمني المستندة إلى رصيد تاريخي طويل من المقاومة والصمود، تظل السلاح الأمضى في مواجهة شبهات الإمامة وأباطيلها. فهي قوةٌ لا تُمكّن العصابة من تثبيت مشروعها مهما تلونت شعاراتها أو ادّعت امتلاك الحق الإلهي في الحكم. وما دام هذا الوعي حاضرًا وفاعلًا، فإن مشروع الإمامة سيظل مهددًا بالسقوط، وستبقى ثورة الشعب اليمني ـ في ماضيه وحاضره ومستقبله ـ هي الحصن المنيع أمام كل محاولات استلاب إرادته أو مصادرة حقه في الحرية والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى